دانييلا رحمة اسم واحد لشخصيات لا تتقاطع
هبطت من فوق، لم تتدرّج على سلالم النجومية. قفزت وحطّت فوق قمة، يحتاج غيرها عمراً ليتربّع على علوها.
دانييلا رحمة المسكونة بالموهبة. روّضت نفسها جيداً وعرفت كيف تسرق قلوب مشاهديها. هذه الشخصية التي تجيد لعب فن الغموض هي واضحة كقنديل عتمة.
ليس الدور الكبير والبطولة هو الذي يصنع منها شخصية حاضرة، يكفي أن تمر حتى ننتبه أن غزالاً كان هنا. يوم مثلت الراقصة مايا في “أولاد أدم ” لم تكن هي البطلة بل رفعت من مكونات الدور لتصبح كذلك. ويوم كتبت البداية في “بيروت سيتي” كانت يارا تشد عصبها على أنها ليست ممثلة عابرة بل هي أتت لتحط طويلاً ولتصنع نجومية.
تماماً كقدومها من استراليا تاركة غربتها خلفها ونشأتها هناك، وجاءت تطأ أرضاً جديدة حتى ولو كان وطنها لتكَون مكانة جديدة، نظنّها هي نفسها لم تكن تدرك أن كل هذا النجاح سيصيبها.
دانييلا لم تقف في الظَل في أي عمل قدمته ولم تنتظر عند العتبات، بل كانت دوماً في الطليعة. وليس من باب التنفيعات أو ملء الشواغر أعطي لها هذا الدور أو ذاك، بل لأن ثمّة ما يقودها الى قمرة القيادة، فهي التي وقفت الى جانب الكبار من باسل خياط إلى قيس شيخ نجيب إلى زملاء أخرين ضالعين في المهنة وتخطوها خبرة وعمراً وكانت “قدَها”.
لا تحتاج دانييلا الى نص يرفعها فهي التي تعجن النص على هواها وتقلبه في خميرتها وتخرجه رغيفاً ساخناً يفتح الشهية ويسيل له اللعاب. في “للموت” هي التي افتتحت العمل بصمتها وغموضها وجنونها الساكت، وفي “العودة ” الذي يبث عبر شاشة LBC لا تتكلم كثيراً ولا تجري حوارات كلامية، الا أنها تضج بالكلام .كل ما فيها يحكي عيونها خطواتها، لفتتها توظف كل ما فيها من أجل خلق نص من أجل أن تولد أداء.
هي لا تحتاج إلى نبرة عالية وقلم، سمعنا نبرتها عالية لكنها في كل ظهور تبدو ساخطة وتضج، هي التي تشحن نفسها بكل مقوّمات الصخب حتى تعبر بصمت. فزعها، حبها، نقمتها، لؤمها، انسانيتها ونجاستها وكل طقوس التعبير عندها حاضرة وبأعلى وتيرة دون حاجة إلى كلمة. جسدها وتعابيرها ونظرتها هي لغتها وهذا هو سرَها.
يقال إنّ العيون الملونة مسطحة ولا تحتمل الغوص، لكن عيناها لا تحتاجان أغواراً ، فهي ضفة عميقة كفاية حتى تغرقنا في أحاديثها، إنها نمرة الشاشة دون منازع. وربما لأنها تمتلك هذا الخفوت الصوتي وذاك الضجيج الداخلي يعطى لها دوماً أدواراً يلفها الغموض والعمق والحزازيرُ.
يؤخذ على دانييلا لغتها العربية المتهدجة كونها نشأت في الغربة وكانت لغتها الأم غريبة عليها، لكن من هم في صف دانييلا لا يحتاجون كثيراً إلى اللغة لأنهم تخطوها نحو لغة أعمق تماماً كالنغم الذي يعزف في الصين، وننتشي له هنا أو يعزف هنا ويرقص له في أصقاع الأرض.
لغتها الفرادة وحروفها داخلية وكلماتها مغمورة بلهاث الاداء العالي .والتمثيل لا يحتاج الا وقعاً داخلياً حتى يصيب المشاهد في المتعة، وهي تعرف كيف تقيس جميع حروفها وتنبتها في أحواض العمل ليعم الأريج الاجواء.
في “العودة” اليوم أو في “للموت ” بالأمس أو قبله في “تانغو” أو “أولاد أدم ” وغيرها، دانييلا اسم واحد لكن بشخصيات متنوعة لا خليط فيها ولا قواسم مشتركة ولا خطوط متقاطعة. هناك تباعد وانفصال وأعمال تمر وهي تحصد فقط النجاحات من نسيم الى ريم إلى فرح أو مايا دوماً متجددة تخلع جلدها وتلبس أخر. تقود شخصياتها نحو السفح الذي ينتظره المشاهد كناطور حريص أن يأكل المواسم كاملة. ودوماً يحصل على مشتهاها.